دأب الإنسان، منذ بدء الخليقة وعلى مرّ العصور، على السفر والترحال من مكان إلى آخر، وما استجدَّ في الأمر هو تطور وسائل المواصلات والتكنولوجيا الحديثة، التي سهلت أمر السفر والترحال من دولة لأخرى، فأصبح التنقل سهلاً ميسراً لبني الإنسان بكافة وسائله الجوية والبحرية والبرية.
وتشير آخر الإحصاءات العالمية الى أن ما يقرب من مليار إنسان يستخدمون الطائرات في كل مطارات العالم.
والسؤال الآن: ما هو الجديد في ذلك؟ وهل للسفر من أضرار على الإنسان؟
والأجابة .. نعم .. فالسفر يؤثر في أغلى شيء يمتلكه الإنسان، وهو الصحة، والصحة هنا بمعناها الشمولي الجسدي والنفسي والاجتماعي. وكل الأعمار تسافر من الطفولة وحتى الكهولة، وكل الأجناس تسافر، امرأة كانت أو رجلا أو طفلا، والافراد من كل المستويات الاجتماعية البشرية يسافرون، بمن فيهم الإنسان المُعافى والمريض.
ولذا، وضع علماء الطب «طب السفر والمسافرين» في بؤرة الأهمية، خصوصاً عندما يحين الصيف ويبدأ موسم السفر والترحال.
وتختلف الأخطار الصحية عند مرحلة الاعداد للسفر عنها عند ركوب وسيلة السفر، وكذلك عند الوصول إلى وجهة السفر. وسوف نركز حديثنا هنا على المرحلتين: ما قبل السفر وأثناءه.
أخطار قبل السفر هنا نستعرض مرحلة القرار والإعداد:
ـ تحديد وجهة السفر: غرباً أو شرقاً، شمالاً أو جنوباً، فيجب التعرف على المشكلات الصحية في البلد الذي سنذهب إليه، ومدى توفر الخدمة الصحية هناك، إضافة الى أمور أخرى كالأحوال الجوية في هذا الوقت من العام.
ـ الاستعداد والتهيئة النفسية: لغرض السفر، أهو للسياحة والمتعة أو لإنجاز عمل ودراسة.
ـ مراجعة جدول التطعيمات للأطفال والكبار، وأخذ التطعيمات اللازمة منها، حسب المعايير العالمية.
ـ أخذ ما يلزم من الملابس والأحذية المناسبة للبلد الذي يتجه إليه المسافر وحسب أحواله الجوية.
ـ تجهيز حقيبة صغيرة للإسعافات الأولية التي تشتمل على الشاش والقطن والمطهرات وأقراص للألم والمغص ومضاد حيوي مناسب إلى آخر هذه القائمة من الاحتياجات الخاصة.
ـ بالنسبة للمرضى، يجب أخذ أدوية تكفل الجرعات المناسبة ولمدة تزيد على المدة المتوقعة في البلد الآخر، كمرضى السكري وضغط الدم والأزمات الربوية والصرع، ولا ننسى أخذ شهادة مرضية متخصصة من الطبيب بوصف الحالة المرضية وأنواع الدواء التي يحتاجها المريض في رحلته حتى يتسنى بها الخروج والدخول في المطارات.
ـ يجب أن تعلم شركة الطيران الناقلة أو إدارة أي وسيلة مواصلات أخرى بالمريض المسافر وحالته وتوقعات الحالة.
وننصح الفئات التالية بعدم السفر في أوقات محددة لهم :
ـ الحوامل في الأشهر الأولى أو بعد 35 ـ 36 أسبوعا من الحمل.
ـ المرضى الذين أجريت لهم عمليات جراحية في الصدر قبل 3 أسابيع.
ـ المرضى الذين أجريت لهم عمليات جراحية في البطن قبل 10 أيام.
ـ هواة الغطس خلال 24 ـ 48 ساعة من آخر غطس.
ـ المرضى بجلطات القلب من 3 ـ 6 أسابيع.
ـ مرضى الأنيميا لو كانت نسبة الهيموغلوبين أقل من 7 جم/لتر.
ـ مرضى الأوعية الدموية والقلب من 3 ـ 6 أسابيع.
ـ المرضى الذين يعانون أمراضا عقلية أو نفسية، إلا إذا كانوا مصحوبين بذويهم أو أحد أفراد عائلاتهم.
وفي كل الحالات، ننصح باستشارة طبيب الأسرة أو طبيب متخصص في طب الرحلات، فهو بنفس أهمية استشارة الدليل السياحي، ويستطيع طبيب الأسرة إعطاء النصائح الخاصة بالسفر حسب كل حالة، وكذلك استكمال جدول التطعيمات.
الأخطار أثناء السفر
هناك مشاكل صحية مختلفة نتوقع حدوثها أثناء السفر، فمثلا، تحدث تغيرات فسيولوجية كبيرة أثناء ركوب الطائرة، بسبب قلة الضغط الجوي في مقصورة الطائرة، ونقص الأوكسجين. كما يتعرض الإنسان لأعراض اضطراب الساعة البيولوجية. وأخيرا احتمال انتشار الأمراض المعدية في كابينة الطائرة لمحدودية المساحة وتقارب الركاب.
* ما هي آثار هذه التغيرات؟ مهاجمة الأزمات الربوية لمرضى الربو. التهاب الأذن الوسطى، وانسداد الجيوب الأنفية وزيادة احتباس الهواء في الغشاء البلوري عند المرضى.
نقص الأوكسجين يؤدي إلى تفاقم حالة مرضى جلطة القلب الحديثة، ومرضى الفشل القلبي غير المستقر، ومرضى الأوعية الدموية والقلب.
كما يؤثر نقص الأوكسجين على مرضى الجهاز التنفسي المزمن مثل التهاب الرئة الفصي وتمدد الرئتين.
وكذلك مرضى الأنيميا الذين تقل لديهم نسبة الهيموغلوبين عن 7 غم/لتر، والمصابين بالأنيميا المنجلية.
من الممكن أيضاً انتشار الأمراض المعدية في فترة الحضانة الأولى لها، التي تنتقل عبر الجهاز التنفسي.
ومع أن وسائل المواصلات بدت الآن سريعة وسهلة، لكن السفر ما زال يحمل من الأخطار والمشقة والمعاناة الكثير. وكانت هذه أهم النصائح للمسافرين قبل السفر وأثناءه. أما الأخطار الصحية لما بعد الوصول للبلد المسافر إليه، من طعام وشراب وحوادث وأمراض جنسية معدية، فسوف نتحدث عنها في عدد قادم من ملحق الصحة.
* الدوار الحركي عند المسافر حيث يعاني من هذه الظاهرة ثلث سكان المعمورة، خصوصا الأطفال حتى عشر سنوات من العمر.
من أعراضه: الاصفرار، الشحوب، العرق البارد، القيء والغثيان، الضعف العام، الصداع، التثاؤب والميل للنعاس.
يعزو علماء الطب حدوث ذلك الى عدم وجود توافق بين ما ترى العين من حركة وبين جهاز التوازن في الإنسان. وللوقاية من هذه الأعراض أو التخفيف من شدتها، ننصح بمايلي: أن يتم جلوس الأطفال في مكان عالٍ ذي تهوية جيدة، مع تجنب القراءة ولعب الألعاب الإلكترونية. أن يتم التقليل من شرب الكحول للكبار مع غلق العين والاستلقاء.
اختيار الجزء الأكثر ثباتاً من وسيلة المواصلات، مثل بين الجناحين في الطائرة، والمنتصف في السفينة، والمقعد الأمامي في السيارة. ولعلاج هذه الحالة يجب أن يُعطى المسافر، خاصة الذي له تجارب سابقة معها، إما مضاد للهيستامين أو مضادات الاستيل كولين قبل السفر، مع مراعاة الجرعة المناسبة لزمن السفر، طويلا كان أم قصيرا.
* اضطراب الساعة البيولوجية للمسافر حيث يظهر هذا المرض بوضوح عند المسافرين المتجهين الى ناحية الشرق، حيث يقصر عدد ساعات النهار، بينما يقل ظهوره عموماً عند الذهاب ناحية الغرب حيث نتجه للنهار الطويل.
ومن أهم أعراضه: اضطراب عادة التبول والتبرز والنوم وحركة الأمعاء والمعدة والشعور بالجوع أو الشبع.. الخ. وتظهر أهمية هذا الاضطراب ونتائجه السلبية عند فئات معينة من المسافرين كالطلاب ورجال الأعمال. وننصح بالآتي:
الذهاب قبل الموعد بوقت كاف، يوماً أو يومين، بالنسبة للطلاب الذاهبين إلى الاختبارات، أو رجال الأعمال الذاهبين لعقد صفقات تجارية، وذلك حتى تستقر الساعة البيولوجية لديهم ولا يفقدون هدفهم لعدم معرفتهم بخطورة الحالة. تجنب الضغوط النفسية والجسدية والعصبية.
تجنب التدخين والأكل الكثير وتناول المشروبات الكحولية.
تناول السوائل بكثرة، لكن الابتعاد عن المدرة للبول منها، مثل القهوة والشاي (الكافيين). وأخيرا ننصح بأخذ قسط من النوم في الطائرة.
حذار من الجلطات القاتلة في السفر
من الأخطاء الشائعة بين المسافرين في رحلات برية بين المدن المتباعدة، والتي تحتاج الى القيادة لأكثر مِنْ أربع ساعاتِ بشكل متواصل، أو في رحلات جوية الى بلدان بعيدة تحتاج الى الطيران لأكثر من 8 ساعات، ونفس الشيء بالنسبة للسفن والقطارات، أنهم يفضلون القيادة المتواصلة للمركبة بدون توقف، والجلوس المتواصل في الطائرة بدون حركة. إنهم يفاجأون بعد ذلك بالاصابة بأخطر أمراض الأوعية الدموية المميتة وهي جلطة الساق.
إن عدم الحركة أثناء السفر أياً كانت وسيلة المواصلات المستخدمة فيه، طائرة أو سفينة أو سيارة، لمدة تتجاوز الأربع ساعات سوف تَزِيدُ من خطر الاصابة بجلطاتِ الدم في السيقانِ (تخثر وريدي). وهي حالة خطيرة وقاتلة تحدث بنسبة 1 من كل 6000 من عامة السكان في العالم، وفقا لما أظهرته الدراسات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية.
وتَفترض الدِراسات الأخيرة بأنّ هذه الجلطات هي السببُ وراء الوفياتِ لأكثرِ حالات السفر الطويل، خاصة أن الأعراض تَحْدثُ بشكل نموذجي أي بعد أيام من السفرِ.
ولكي تظل الدورة الدموية تعمل بفعالية تامة أثناء الرحلاتِ الدوليةِ جوا أَو على القطاراتِ والسفن والسيارات، فيجب على المسافرين أَنْ يَشْربوا كميات كبيرة من السوائلِ، وأن يتجنبوا تناول الملح أو الأكلات المملحة، وأن يَلْبسُوا النعالَ، وأن يمارسوا المشي المتكرر في الممراتِ الطويلة للطائرة أو السفينة أو القطار.
أما بالنسبة للسيارة فيستحسن الوقوف في مكان آمن على يمين الطريق لأخذ راحة قصيرة يلف خلالها حول السيارة عدة مرات لتنشيط الدورة الدموية. كما ننصح بتحريك الساقين لأعلى وأسفل عدّة مرات في الساعة الواحدة خلال الجلوس.
لقد اقترحتْ اثنتان من الدراسات التي أجريت عام 2003 حول هذا الموضوع بأنّ الجواربِ الخاصةِ التي تَضْغط الكواحلَ (مثل جوارب كيندال للسفر) قَدْ تَمْنعُ تورمَ السيقان بشكل ملحوظ.
ولذا فمن المحتمل أن يكون لها دور في منع تكون جلطات الدم الوريدية القاتلة التي تحدث للمسافرين بسبب رحلاتِ طويلة، حتى عند أولئك الذين لا يحملون عوامل خطرِ (مثل الاسباب الوراثية، تقدم العمر، استخدام حبوب منع الحمل، طول الجسم) أو أن تكون موجودة لديهم ولكن من المستوى المنخفضِ.
0 comments:
إرسال تعليق